بسم الله الرحمن الرحيم
أقسام المياه
اختلف أهلُ العِلمِ في أقسامِ المياهِ على أقوالٍ؛ أقواها قَولانِ:
القول الأول: تقسم المياه إلى ثلاثة أقسام طهور وطاهر ونجس وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة الحنفية في((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (ص: 17)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/67). والمالكية في ((الكافي)) لابن عبدِ البَرِّ (1/155)، ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/82).والشافعية في ((المجموع)) للنووي (1/80) والحنابلة في ((كشاف القناع)) للبُهوتي (1/24).
الأدلة
1. سألَ رجلٌ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ يا رسولَ اللَّهِ إنَّا نركبُ البحرَ ونحملُ معنا القليلَ منَ الماءِ فإن تَوضَّأنا بِه طشنا أفنتوضَّأُ من ماءِ البحرِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ (هوَ الطَّهورُ ماؤُه الحلُّ ميتتُه)
أخرجه أبو داود (83)، وابن ماجه (386)، وأحمد (8720) باختلاف يسير، والترمذي (69)، والنسائي (59) واللفظ لهما
وجهُ الدَّلالةِ من الحديث: أنَّ الصَّحابة يعلمونَ أنَّ ماءَ البَحرِ طاهِرٌ وليس نَجِسًا- بلا شكٍّ- فسؤالُهم إنَّما كان عن تطهيرِ ماءِ البَحرِ لا عن طهارَتِه، وهذا يدلُّ على أنَّ هناك ماءً طاهرًا ليس بطَهورٍ
2. أحاديثُ النَّهيِ عن الاغتسالِ في الماءِ الرَّاكدِ كحديث أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه في الصَّحيحين مرفوعًا: (لا يَبولنَّ أحدُكم في الماءِ الدَّائِمِ الذي لا يَجري، ثُمَّ يَغتسِل فيه).
أخرجه البخاري (239) واللفظ له، ومسلم (282) والنَّهيِ عن غمْسِ اليَدِ في الإناءِ قبل غَسلِها لِمَن قام مِنَ النَّومِ فعن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (إذا استيقظ أحدُكم مِن نومِه فلْيغسِلْ يدَه قبل أن يُدخِلَها في وَضوئِه؛ فإنَّ أحدَكم لا يدري أين باتَتْ يدُه).
رواه البخاري (162) واللفظ له، ومسلم (278).
الدَّلالةِ منها: أنَّه قد ورد النَّهيُ عن الاغتسالِ في هذه المياهِ، مع عدم نجاسَتِها، فدلَّ ذلك على وجودِ نَوعٍ مِنَ الماءِ ليس بنَجِسٍ، ولا يمكِنُ التطهُّرُ به، وهو الطَّاهِرُ.
القول الثاني: أنَّ الماء قسمانِ فقط: طَهورٌ ونجِسٌ، وهو محكيٌّ عن بعضِ الحنفيَّة قال ابن تيميَّة: (وقال كثيرٌ من أصحابِ أبي حنيفة: بل الطَّاهِرُ هو الطَّهورُ).
(الفتاوى الكبرى) (5/297). واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن باز وابن عثيمين
الأدلة
أوَّلًا: من الكتاب
1- قولُه تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48].
2- قوله تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ }[الأنفال: 11].
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: أنَّه قيلَ لرسولِ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أنتوضَّأُ من بئرِ بضاعةَ وَهيَ بئرٌ يطرحُ فيها الحيضُ ولحمُ الكلابِ والنَّتنُ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ (الماءُ طَهورٌ لا ينجِّسُه شيءٌ)
رواه أبو داود (66)، والترمذي (66)، والنَّسائي (326)، وأحمد (11275).
وجهُ الدَّلالةِ مِنَ الآيتينِ والحديثِ:
أنَّ اسمَ الماءِ مُطلقٌ في الكتابِ والسُّنةِ، ولم يرِدْ فيهما تقسيمُه إلى: طَهورٍ وطاهرٍ، فهذا التَّقسيمُ مخالفٌ للكتابِ والسُّنةِ، ولا أصلَ له في الشَّريعةِ؛ إذ لو كان القِسمُ الطَّاهِرُ ثابتًا بالشَّرع، لكان أمرًا معلومًا مفهومًا، تأتي به الأحاديثُ البيِّنةُ الواضِحةُ؛ لأنَّ الحاجةَ تدعو إلى بيانِه، وليس بالأمرِ الهيِّنِ؛ إذ يترتَّبُ عليه: إمَّا أن يتطهَّرَ بماءٍ أو يتيمَّم
((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/14)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/86).
ثالثًا: أنَّ الماءَ إمَّا أن يبلُغَ اختلاطُ الطَّاهِرِ به إلى حدِّ زَوالِ وَصفِ الماءِ عنه، فلا يكون ماءً مُطلقًا، وإمَّا ألَّا يبلُغَ به ذلك، فيجوز التطهُّرُ به، يدلُّ على ذلك ما جاء عن أمِّ عطيَّةَ الأنصاريَّة رَضِيَ اللهُ عنها، قالت:(دخل علينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين تُوفِّيتِ ابنَتُه، فقال: اغسِلنَها ثلاثًا أو خَمسًا، أو أكثر من ذلك إن رأيتُنَّ ذلك، بماءٍ وسِدرٍ، واجعَلنَ في الآخِرة كافورًا أو شيئًا مِن كافورٍ، فإذا فرغتُنَّ فآذِنَّنِي)
رواه البخاري (1253) واللفظ له، ومسلم (939).
فهذا ماءٌ مُختلِط، ولكنَّه لم يبلُغْ مِنَ الاختلاطِ بحيث يُسلَبُ عنه اسمُ الماءِ المُطلَقِ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/27).
والحمد لله رب العالمين
تعليقات
إرسال تعليق