بسم الله الرحمن الرحيم
حسن الظن بالله تعالى
من أعظم الأشياء حسن الظن بالله ويجب أن يرافقه حسن العمل؛ لأن الذي يحسن الظن ويحسن العمل هو الذي يحسن الظن حقيقة بربه، أما الذي يحسن الظن بالله ويسيء العمل فهذا يسيء الظن بالله؛ لأن من العقل والمنطق أنك إذا أحسنت الظن في إنسان أن تحسن العمل معه.
يقول الحسن البصري: إن قوماً غرهم حسن الظن بالله حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، يقولون: نحسن الظن بالله، كذبوا والله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء)
أخرجه أحمد (16016)، والدارمي (2731)، وابن حبان (633)
فإذا اتقيته وعبدته فأحسن الظن به في أنه لن يضيع عبادتك وعملك.
وإن المؤمن حين يحسن الظن بربه لا يزال قلبه مطمئناً ونفسه آمنة تغمرها سعادة الرضى بقضاء الله وقدره وخضوعه لربه سبحانه.
قال الله جل وعلا: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا).الزمر اية53
ولا يعظم الذنب عندك عظمة تصدك عن حسن الظن بالله وتوقعك في القنوط من رحمته فإن من عرف ربه وكرمه وجوده استصغر في جنب كرمه وعفوه ذنبه.
من حسن الظن بالله:
شدة الاجتهاد في طاعة الله.
قال عبد الله بن مسعود: والذي لا إله غيره لا يحسن أحدكم الظن بالله إلا أعطاه الله ظنه وذلك أن الخير بيده.
قال ابن القيم: وكلما كان العبد حسن الظن بالله حسن الرجاء له صادق التوكل عليه: فإن الله لا يخيب أمله فيه ألبتة فإنه سبحانه لا يخيب أمل آمل ولا يضيع عمل عامل.
وحسن الظن بالله عز وجل من أسباب حسن الخاتمة،
وسوء الظن بالله من أسباب سوء الخاتمة،
فينبغي للعبد أن يعلم أن الله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة، ولا يظلم الناس شيئا، وهو عند ظن عبده به؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم:( يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني ).متفق عليه
قال السفاريني: ظن كثير من الجهال أن حسن الظن بالله والاعتماد على سعة عفوه ورحمته مع تعطيل الأوامر والنواهي كاف , وهذا خطأ قبيح وجهل فضيح , فإن رجاءك لمرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق.
ومصداق هذا قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ)الأعراف اية169
قال ابن القيم: وكيف يجتمع في قلب العبد تيقنه بأنه ملاق الله، وأن الله يسمع كلامه ويرى مكانه، ويعلم سره وعلانيته، ولا يخفى عليه خافية من أمره، وأنه موقوف بين يديه ومسئول عن كل عمل وهو مقيم على مساخطه مضيع لأوامره معطل لحقوقه، وهو مع هذا يحسن الظن به وهل هذا إلا من خدع النفوس وغرور الأماني.
وقال أيضا رحمه الله: ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الإحسان؛ فإن المحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه، ولا يخلف وعده، ويقبل توبته، وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات؛ فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه ... ولا يجامع وحشة الإساءة إحسان الظن أبداً؛ فإن المسيء مستوحش بقدر إساءته، وأحسن الناس ظناً بربه أطوعهم له ... ، وقد قال الله في حق من شك في تعلق سمعه ببعض الجزئيات، وهو السر من القول: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فهؤلاء لما ظنوا أن الله سبحانه لا يعلم كثيراً مما يعملون كان هذا إساءة لظنهم بربهم فأرداهم ذلك الظن ...
قال الحليمي : كَانَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم يعجبه الفأل؛ لأن التشاؤم سوء الظن بالله تعالى، والتفاؤل حسن ظن به، والمؤمن مأمورٌ بحسن الظن بالله تعالى على كل حال
(فتح الباري)
و ينبغي على الأنسان أن يعلم أنه لا بد من حسن العمل مع إحسان الظن، فلا معنى لحسن الظن مع سوء العمل، إذ قد يمنعه سوء عمله من إحسان الظن بربه، وأسوأ من ذلك سوء الظن بالله مع سوء العمل.
قال ابن القيم: فسر بعضهم التوكل بحسن الظن بالله. والتحقيق: أن حسن الظن به يدعوه إلى التوكل عليه إذ لا يتصور التوكل على من ساء ظنك به ولا التوكل على من لا ترجوه.
فقلب المؤمن حَسَنُ الظن بربه يَتوقّع منه الخير دائماً، يتوقع منه الخير في السراء والضراء، ويؤمن بأن الله يريد به الخير في الحالين؛ وسر ذلك أن قلبه موصول بالله، وفيض الخير من الله لا ينقطع أبداً.
والحمد لله رب العالمين
تعليقات
إرسال تعليق