هل تجب خدمة المرأة لزوجها
اختلف العلماء في وجوب خدمة الزوجة لزوجها فذهب الجمهور إلى عدم الوجوب وذهب بعض أهل العلم إلى وجوب ذلك فذهب (الحنابلة والشافعية وبعض المالكية) إلى عدم وجوب خدمة الزوجة لزوجها ولكن الأولى لها فعل ما جرت عليه العادة من خدمة الزوجة لزوجها
وذهب الحنفية وجمهور المالكية إلى وجوب خدمة الزوجة لزوجها
قال أصحاب الرأي الأول: الخدمة ليست بواجبة لأن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع ، لا الاستخدام وبذل المنافع ، قالوا : والأحاديث المذكورة في الخدمة إنما تدل على التطوع ومكارم الأخلاق
وقال أصحاب الرأي الثاني: الخدمة واجبة للأدلة التالية
١. أنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، شَكَتْ ما تَلْقَى مِن أثَرِ الرَّحَا، فأتَى النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فأخْبَرَتْهَا، فَلَمَّا جَاءَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بمَجِيءِ فَاطِمَةَ، فَجَاءَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلَيْنَا وقدْ أخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ لأقُومَ، فَقَالَ: علَى مَكَانِكُمَا. فَقَعَدَ بيْنَنَا حتَّى وجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ علَى صَدْرِي، وقَالَ: ألَا أُعَلِّمُكُما خَيْرًا ممَّا سَأَلْتُمَانِي، إذَا أخَذْتُما مَضَاجِعَكُما تُكَبِّرَا أرْبَعًا وثَلَاثِينَ، وتُسَبِّحَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، وتَحْمَدَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ فَهو خَيْرٌ لَكُما مِن خَادِمٍ.
رواه البخاري[ 3705]
وهذا الحديث يدل على وجوب خدمة المرأة لزوجها ولو أن الخدمة غير واجبة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم علي ابن ابي طالب بأن يحضر لأبنته جارية تخدمها وتخدمه ولقال له أن خدمة الزوجة لزوجها غير واجبة
٢. (عن أسماء بنت أبي بكر قالت: تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ، وما له في الأرْضِ مِن مالٍ ولا مَمْلُوكٍ، ولا شيءٍ غيرَ ناضِحٍ وغَيْرَ فَرَسِهِ، فَكُنْتُ أعْلِفُ فَرَسَهُ وأَسْتَقِي الماءَ، وأَخْرِزُ غَرْبَهُ وأَعْجِنُ، ولَمْ أكُنْ أُحْسِنُ أخْبِزُ، وكانَ يَخْبِزُ جاراتٌ لي مِنَ الأنْصارِ، وكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ، وكُنْتُ أنْقُلُ النَّوَى مِن أرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتي أقْطَعَهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى رَأْسِي، وهي مِنِّي علَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ، فَجِئْتُ يَوْمًا والنَّوَى علَى رَأْسِي، فَلَقِيتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومعهُ نَفَرٌ مِنَ الأنْصارِ، فَدَعانِي ثُمَّ قالَ: إخْ إخْ لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، فاسْتَحْيَيْتُ أنْ أسِيرَ مع الرِّجالِ، وذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وغَيْرَتَهُ وكانَ أغْيَرَ النَّاسِ، فَعَرَفَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنِّي قَدِ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى، فَجِئْتُ الزُّبَيْرَ فَقُلتُ: لَقِيَنِي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعلَى رَأْسِي النَّوَى، ومعهُ نَفَرٌ مِن أصْحابِهِ، فأناخَ لأرْكَبَ، فاسْتَحْيَيْتُ منه وعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ، فقالَ: واللَّهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كانَ أشَدَّ عَلَيَّ مِن رُكُوبِكِ معهُ، قالَتْ: حتَّى أرْسَلَ إلَيَّ أبو بَكْرٍ بَعْدَ ذلكَ بخادِمٍ تَكْفِينِي سِياسَةَ الفَرَسِ، فَكَأنَّما أعْتَقَنِي).
أخرجه البخاري (5224)، ومسلم (2182)
خلُص ابن حجر رحمه الله- خلاصة مهمة... أن الخدمة تعتمد على الأحوال، خدمة المرأة في البيت تعتمد على الحال، فإن كان البلد الذي هي فيه طبيعة الناس وحال الناس أن المرأة تخدم خارج وداخل، تخدم خارج وداخل، فالرعي والزرع والبيت تخدم في الجميع.
إن كان تخدم في البيت فقط ولا تخدم خارجه إذن ألزمناها بالخدمة داخله ولم نلزمها بما هو خارج.
إن كان في بيئة غنية درج أهلها وجماعتها والناس الذين هي منهم والبلد على أنها تستعين بخادم في البيت، إذن تستعين بخادم في البيت، فابن حجر -رحمه الله- اقترب من قول القائلين بوجوب الخدمة على الزوجة عل النحو الذي يقضي به عرف الناس وعاداتهم.
٣. قال البخاري: "باب عون المرأة زوجها في ولده" [صحيح البخاري: 7/66].وذكر في هذا الباب حديث جابر ابن عبد الله حيث قال
وقدْ كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال لي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ: هلْ تَزَوَّجْتَ بكْرًا أمْ ثَيِّبًا؟، فَقُلتُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا، فَقالَ: هَلَّا تَزَوَّجْتَ بكْرًا تُلَاعِبُهَا وتُلَاعِبُكَ، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، تُوُفِّيَ والِدِي أوِ اسْتُشْهِدَ ولِي أخَوَاتٌ صِغَارٌ فَكَرِهْتُ أنْ أتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ، فلا تُؤَدِّبُهُنَّ، ولَا تَقُومُ عليهنَّ، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عليهنَّ وتُؤَدِّبَهُنَّ)
أخرجه البخاري (2967)، ومسلم (715).
قال الإمام ابن حجر -رحمه الله-: "وكأن البخاري استنبط قيام المرأة على ولد زوجها من قيام امرأة جابر على أخواته، ووجه ذلك منه بطريق الأولى"
[فتح الباري لابن حجر: 9/513].
والمرأة تقوم بخدمة زوجها أولى من قيامها بخدمة أخواته، أو بناته بامرأة أخرى، وكان العرف قائماً في عهد النبي-صلى الله عيه وسلم- أن المرأة لا تخدم زوجها فقط وإنما تخدم من يعيلهم زوجها في بيته.
٤. (لَو كنتُ آمرًا أحدًا أن يسجدَ لأحدٍ لأمرتُ النِّساءَ أن يسجُدنَ لأزواجِهِنَّ لما جعلَ اللَّهُ لَهُم علَيهنَّ منَ الحقِّ)
صحيح ابي داود (٢١٤٠)
وهذا الحديث يدل على عظم حق الزوج على زوجته
٥. عن الحصين بن محصن رضي الله عنه قال: إن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة، ففرغت من حاجتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((أذات زوج أنت؟))، قالت: نعم، قال: ((كيف أنت له؟)) قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: ((فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك))
أخرجه أحمد (4/341) واللفظ له، والحميدي (355)، والطبراني في الكبير (25/183)، والأوسط (529)، والبيهقي في الكبرى (7/291)، وصححه الحاكم (2/189). وقال المنذري في الترغيب (3/34): "رواه أحمد والنسائي بإسنادين جيدين". وصححه الألباني في آداب الزفاف (ص118).
قال الألباني: "والحديث ظاهر الدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها، وخدمتها إياه في حدود استطاعها، ومما لا شك فيه أن من أول ما يدخل في ذلك الخدمة في منزله وما يتعلق به من تربية أولاده، ونحو ذلك"
آداب الزفاف (ص118).
٦. قال ابن حبيب: "حكم النبي بين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وبين فاطمة رضي الله عنها حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة خدمة البيت، وحكم على عليّ بالخدمة الظاهرة... والخدمة الباطنة العجين والفرش وكنس البيت واستقاء الماء وعمل البيت كله"
أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم، لابن فرج المالكي (ص73)، وزاد المعاد (5/186) ،و مسدد بن مسرهد في مسنده كما في المطالب العالية ، وهناد في الزهد(750) و أبو نعيم في الحلية(6/104) والرواية فيها ضعف
وحكم النبي صلى الله عليه وسلم بخدمة داخل البيت على ابنته فاطمة رضي الله عنها وخدمة خارج البيت على علي رضي الله عنه من أقوى الأدلة على وجوب خدمة الزوجة لزوجها
٧. عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت(قالَتْ: كُنَّا نُعِدُّ له سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ ما شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ)
[صحيح مسلم٧٤٦]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله ، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال ، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية ، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة . وقاله الجوزجاني من أصحابنا وأبو بكر بن أبي شيبة" انتهى .
"الاختيارات" ص 352 .
والحمد لله رب العالمين
تعليقات
إرسال تعليق