القائمة الرئيسية

الصفحات

حكم تحية الإسلام وصيغتها وفضلها وحكم رد السلام

 بسم الله الرحمن الرحيم



فضل إفشاء السلام

من خصال الإسلام التي حث عليها الشارع الحكيم: إفشاء السلام بين المسلمين، وذلك لما له من أثر عظيم على تماسك هذه الأمة المجيدة، فهو سبيل إلى تقوية أواصر المحبة والألفة والأخوة بين المسلمين، وللسلام آثار نفسية وإيجابية عظيمة، فهو يبعث الأمان في نفس المسلم عليه، وينشر المحبة والمودة بين الناس، ويعمق الروابط الاجتماعية بين الفرد وأخيه بصورة خاصة، وبين المجتمع بصورة عامة.

ولقد رغّب الإسلام في إفشاء السلام لما فيه من المودة، وتقوية رباط الأخوة، وأوجب ردّ السلام، وبين لنا فضل السلام وما فيه من مضاعفة الحسنات، وأبخل الناس من بخل عن رد السلام، ورد السلام من التواضع، بل هو سبب من أسباب دخول الجنة.

السلام على المؤمن سنة، وهو شيء مستحب عظيم، أما رد السلام ففرض عليك طالما لا يوجد غيرك يرد السلام، فإذا كنتم مجموعة وحياكم شخص معين فإن رد السلام حينئذ يكون فرضاً كفائياً، أي: أنه إذا رد البعض سقط الإثم عن الجميع، ويؤجر هذا الذي رد، وإذا رد الجميع كلهم أخذوا الأجر على ردهم.


قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور:27] 

وقال تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور:61] 

وقال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] 

وقال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ

[الذاريات:24 - 25].

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف

متفق عليه

قال الحافظ ابن حجر: وفيه من الفوائد أنه لو ترك السلام على من لم يعرف احتمل أن يظهر أنه من معارفه فقد يوقعه في الاستيحاش منه.


وقال ابن بطال في مشروعية السلام على غير المعرفة: استفتاح المخاطبة للتأنيس ليكون المؤمنون كلهم إخوة فلا يستوحش أحد من أحد، وفي التخصيص ما قد يوقع في الاستيحاش ويشبه صدود المتهاجرين المنهي عنه.

فالله هو السلام ومنه السلام، فهو يحيي أهل الجنة بالسلام، وتحييهم الملائكة بالسلام، 

فقال تعالى: {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [إبراهيم:23].

وقد حسدت اليهود المؤمنين على هذا السلام، وأنهم يحيون بعضهم بعضاً بالسلام، قال صلى الله عليه وسلم: (ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين)

أخرجه ابن ماجه (856) واللفظ له، وأحمد (25029) بنحوه مطولاً


والتأمين: أن تقول: آمين، وذلك عندما يدعو أحدكم ويؤمن الآخرون، أو عندما يقرأ الفاتحة فتقول: آمين، ويقول الإمام: آمين، ويوافق تأمينكم وتأمين الإمام تأمين الملائكة فيغفر الله عز وجل لكم ما تقدم من ذنوبكم.

(فالسلام دعاء بالحياة الطيبة والحياة المباركة.)

*عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا  وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ , أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ)

رواه مسلم 54


*عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: قَالَ لي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (يَا بُنيّ؛ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ؛ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِك

قَالَ الشيخ الأَلْبَانيُّ في الْكَلِمِ الطَّيِّب: حَسَنٌ صَحِيح وَرَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في الأَوْسَط

َ*عنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: ( مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَان، إِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا
صَحَّحَهُ  الأَلْبَانيُّ في سُنَنِ الأَئِمَّةِ أَبي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَةَ وَالتِّرْمِذِيِّ 

*عَن حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال:(إِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا لَقِيَ المُؤْمِنَ فَسَلَّمَ عَلَيْه، وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَصَافَحَهُ؛ تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَر
 رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في الأَوْسَط

َ*عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال:( أَعْجَزُ النَّاسِ مَن عَجَزَ في الدُّعَاء، وَأَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلاَم )
رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في الكَبِيرِ وَالأَوْسَط

قال الإمام النووي: وبذل السلام للعالم، والسلام على من عرفت ومن لم تعرف، وإفشاء السلام كلها بمعنى واحد. وفيها لطيفة أخرى وهي أنها تتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء وفساد ذات البين التي هي الحالقة، وأن سلامه لله لا يتبع فيه هواه، ولا يخص أصحابه وأحبابه به.

قال الحافظ ابن حجر: بذل السلام يتضمن مكارم الأخلاق، والتواضع، وعدم الاحتقار، ويحصل به التآلف والتحابب.

ولإفشاء السلام منزلة عظيمة القدر؛ فبه يعلي الله من درجات أهل الايمان


(صيغة السلام)

عن عمران بن حصين قال: جاء رجل إلى النبي  صلى الله عليه وسلم  فقال: السلام عليكم. فرد عليه السلام، ثم جلس. فقال النبي  صلى الله عليه وسلم :(عشر). ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله. فرد عليه فجلس، فقال: (عشرون). ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فرد عليه فجلس فقال: (ثلاثون).
أخرجه أبو داود (5195)، والترمذي (2689)، وأحمد (19962)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (10169) باختلاف يسير

وفي رواية: ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته. فقال: "أربعون". قال: هكذا تكون الفضائل 


((رد السلام))

فال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}. 
وهذا من عبوديات اللسان 
كما ذكر ابن القيم في مدارج الساكين  وهو واجب كما تقدم، وأفضله أن تقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

قال ابن القيم في بدائع الفوائد : مقامات رد السلام ثلاثة: مقام فضل، ومقام عدل، ومقام ظلم؛ فالفضل أن يرد عليه أحسن من تحيته، 
والعدل أن ترد عليه نظيرها، 
والظلم أن تبخسه حقه وتنقصه منها فاختير للراد أكمل اللفظين".


ولا يتوقف فضل إفشاء السلام على هذا، فهو سبيل لخفض الجناح بين المسلمين، وسبيل لنفي شبهات الكبر عن النفس، إذ الكبر بطر الحق وغمط الناس، ففي إفشاء السلام سبيل للتواضع، وتعظيم حرمات المسلمين. 
قال الإمام النووى: والسلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس، ولزوم التواضع، وإعظام حرمات المسلمين.

((التسليم على الخاصة من علامات الساعة الصغرى))

ومن علامات الساعة تسليم الخاصة، وهو أنْ لا يُلقِي الرجل السلام إلا على مَنْ يعرفه، ويدع السلام على مَنْ لا يعرف.
 
أخرج الإمام أحمد عن طارق بن شهاب قال:
كنا عند عبد الله جلوساً، فجاء رجلٌ فقال: قد أقيمت الصلاة، فقام وقمنا معه، فلما دخلنا المسجد رأينا الناس ركوعاً فى مقدم المسجد، فكبّر وركع وركعنا، ثم مشينا وصنعنا مثل الذي صنع، فمرَّ رجلٌ يسرع، فقال: السلام عليك يا أبا عبد الرحمن، فقال: صدق الله ورسوله، فلما صلَّيْنا ورجعنا دخل على أهله جلسنا، فقال بعضنا لبعض: أما سمعتم ردَّه على الرجل: صدق الله وبلَّغَتْ رُسُلُه، أيُّكم يسأله؟ فقال طارق: أنا أسأله، فسأله حين خرج، فذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشوَ التجار؛ حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور القلم".
(السلسلة الصحيحة: 647).
 
وأخرج الإمام أحمد كذلك وابن خزيمة عن أبي الجعد قال:
"لقى عبدَ الله رجلٌ، فقال: السلام عليك يا بن مسعود، فقال عبد الله: صدق الله ورسوله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن من أشراط الساعة، أن يمرَّ الرجلُ فى المسجد لا يُصلَّي فيه ركعتين، وألا يسلم الرجل إلا على مَنْ يعرف
السلسلة الصحيحة: 648.
 
وفى رواية عند أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن من أشراط الساعة: أن يُسلِّم الرجلُ على الرجلِ لا يُسلِّم عليه إلا للمعرفة"
قال أحمد شاكر: إسناده صحيح.
 
وفى رواية أخرى عند الإمام أحمد أيضاً:
"إن من أشراط الساعة إذا كانت التَّحية على المعرفة".
 
وعند الطبراني: "لا تكون الساعة حتى يكونَ السلامُ على المعرفة"، والتسليم على المعرفة فقط خلاف السُّنَّة، التي دعت إلى إفشاء السلام وإلقائه على مَنْ عرفت ومَنْ لم تعرف.
 
ففي "الصحيحين": "أن رجلاً سأل النبى صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإسلام خير؟ قال: تُطْعِم الطعام، وتقرأ السلام على مَنْ عرفت ومَنْ لم تعرف".
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات