القائمة الرئيسية

الصفحات

تلبيس إبليس على العباد في العبادات ذكر تلبيسه عليهم فِي الصلاة من كتاب تلبيس إبليس للإمام ابن الجوزي رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

تلبيس إبليس على العباد في العبادات ذكر تلبيسه عليهم فِي الصلاة من كتاب تلبيس إبليس للإمام ابن الجوزي رحمه الله


مقتطفات من كتاب تلبيس ابليس للإمام ابن الجوزي رحمه الله 


تلبيس إبليس على العباد في العبادات

تلبيسه عليهم فِي الصلاة

من ذلك تلبيسه عليهم فِي الثياب التي يستتر بِهَا فترى أحدهم يغسل الثوب الطاهر مرارا وربما لمسه مسلم فيغسله ومنهم من يغسل ثيابه فِي دجلة لا يرى غسلها فِي البيت يجزىء ومنهم من يدليها فِي البئر كفعل اليهود وما كانت الصحابة تعمل هَذَا بل قد صلوا فِي ثياب فارس لما فتحوها واستعملوا أوطئتهم وأكسيتهم


ومن الموسوسين من يقطر عَلَيْهِ قطرة ماء فيغسل الثوب كله وربما تأخر لذلك عَنْ صلاة الْجَمَاعَة 


ومنهم من ترك الصلاة جماعة لأجل مطر يسير يخاف أن تنتضح عَلَيْه.

ِ 

(ولا يظن ظان أنني أمتنع من النظافة والورع ولكن المبالغة الخارجة عَنْ حد الشرع المضيعة للزمان هي التي ننهي عنها)


ومن ذلك تلبيسه عليهم فِي نية الصلاة فمنهم من يَقُول أصلى صلاة كذا ثم يعيد هَذَا ظنا مِنْهُ أنه قد نقض النية والنية لا تنقض وأن لم يرض اللفظ 

ومنهم من يكبر ثم ينقض ثم يكبر ثم ينقض فَإِذَا ركع الإمام كبر الموسوس وركع معه فليت شعري مَا الذي أحضر النية حينئذ وما ذاك إلا لأن إبليس أراد أن يفوته الفضيلة 



وهذه كلها تلبيسات إبليس والشريعة سمحة سهلة سليمة من هذه الآفات 

وما جرى لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا لأصحابة شيء من هَذَا 


وَقَدْ بلغنا عَنْ أبي حازم أنه دخل المسجد فوسوس إليه إبليس أنك تصلي بغير وضوء فَقَالَ مَا بلغ نصحك إِلَى هَذَا.


وكشف هَذَا التلبيس أن يقال للموسوس إن كنت تريد إحضار النية فالنية حاضرة لأنك قمت لتؤدي الفريضة وهذه هي النية ومحلها القلب لا اللفظ إن كنت تريد تصحيح اللفظ فاللفظ لا يجب ثم قد قلته صحيحا فما وجه الإعادة أفتراك تظن وَقَدْ قلت إنك مَا قلت هَذَا مرض.


 وَقَدْ حكى لي بعض الأشياخ عَن ابْن عقيل حكاية عجيبة أن رجلا لقيه فَقَالَ إني أغسل العضو وأقول مَا غسلته وأكبر وأقول مَا كبرت فَقَالَ لَهُ ابْن عقيل دع الصلاة فانها مَا تجب عليك فَقَالَ قوم لابن عقيل كيف تقول هَذَا فَقَالَ لهم 

قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

رفع القلم عَن المجنون حتى يفيق 

ومن يكبر ويقول مَا كبرت فليس بعاقل والمجنون لا تجب عَلَيْهِ الصلاة.


واعلم أن الوسوسة فِي نية الصلاة سببها خبل فِي العقل وجهل بالتسرع

ومن الموسوسين من إذا صحت لَهُ النية وكبر ذهل عَنْ باقي صلاته كأن المقصود من الصلاة التكبير فقط 

وهذا تلبيس يكشفه أن التكبير يراد للدخول فِي العبادة فكيف تهمل العبادة وهي كالدار 


 ومن الموسوسين من تصح لَهُ التكبيرة خلف الإمام وَقَدْ بقي من الركعة يسير فيستفتح ويستعيذ فيركع الإمام وهذا تلبيس أيضا لأن الذي شرع فيه من التعوذ والاستفتاح مسنون والذي تركه من قراءة الفاتحة وَهُوَ لازم للمأموم عند جماعة من العلماء فلا ينبغي أن يقدم عَلَيْهِ سنة.


وَقَدْ كنت أصلي وراء شيخنا أبي بَكْر الدينوري الفقيه فِي زمان الصبا فرآني مرة أفعل هَذَا فَقَالَ يا بني إن الفقهاء قد اختلفوا فِي وجوب قراءة الفاتحة خلف الإمام ولم يختلفوا في أن الاستفتاح سنة فاشتغل بالواجب ودع السنن.


وقد لبس إبليس عَلَى قوم فتركوا كثيرا من السنن لواقعات وقعت لهم فمنهم من كان يتخلف عَنْ الصف الأَوَّل 


ومنهم من لم ينزل يدا عَلَى يد فِي الصلاة وقال أكره أن أظهر من الخشوع مَا ليس فِي قلبي 

وَقَدْ روينا هذين الفعلين عَنْ بعض أكابر الصالحين وهذا أمر أوجبه قلة العلم 

ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال: 

"لو يعلم الناس مَا لهم فِي النداء والصف الأَوَّل ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عَلَيْهِ لاستهموا

وفي أفراد مسلم من حديثه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ:

"خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها"

 وأما وضع اليد عَلَى اليد فسنة روى أَبُو داود فِي سننه أن ابْن الزبير قَالَ وضع اليد عَلَى اليد من السنة وإن ابْن مسعود كان يصلي فوضع يده اليسرى عَلَى اليمنى فرآه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضع يده اليمنى عَلَى اليسرى.


ولا يكبرن عليك إنكارنا عَلَى من قَالَ أراد قرب القلوب ولا أضع يدا عَلَى يد وان كان من الأكابر فان الشرع هو المنكر لا نحن.


وَقَدْ قيل لأحمد بْن حنبل رحمة اللَّه عَلَيْهِ أن ابْن الْمُبَارَك يَقُول كذا وكذا فَقَالَ إن ابْن الْمُبَارَك لم ينزل من السماء وقيل لَهُ قَالَ إبراهيم بْن أدهم فَقَالَ: جئتموني ببنيات الطريق عليكم بالأصل فلا ينبغي أن يترك الشرع لقول معظم فِي النفس فان الشرع أعظم والخطأ فِي التأويل عَلَى الناس يجري ومن الجائز أن تكون الأحاديث لم تبلغه.


وقد لبس إبليس عَلَى بعض المصلين فِي مخارج الحروف فتراه يَقُول الحمد الحمد فيخرج بإعادة الكلمة عَنْ قانون أدب الصلاة

وتارة يلبس عَلَيْهِ فِي تحقيق التشديد وتارة فِي إخراج ضاد المغضوب 


ولقد رأيت من يَقُول المغضوب فيخرج بصاقة مَعَ إخراج الضاد لقوة تشديده وإنما المراد تحقيق الحرف فحسب


وإبليس يخرج هؤلاء بالزيادة عن حد التحقيق ويشغلهم بالمبالغة في الحروف عَنْ فهم التلاوة وكل هذه الوساوس من إبليس


 وعن سَعِيد بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن أبي العمياء أن سَهْل بْن أبي أمامة حدثه أنه دخل هو وأبوه عَلَى أنس بْن مالك رَضِيَ اللَّهُ عنه وَهُوَ يصلي صلاة خفيفة كأنها صلاة مسافر فلما سلم قَالَ يرحمك اللَّه أرأيت هذه الصلاة المكتوبة كصلاة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم شيء تنفلته قَالَ إنها لصلاة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أخطأت إلا شيئا سهوت عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يَقُول: "لا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدِّدَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدُّيُورَات

ِ {ًَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} "

.

 وفي أفراد مسلم من حديث عثمان بْن أبي العاص قَالَ قلت لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّيْطَان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذاك الشَّيْطَان يقال لَهُ خنزب فَإِذَا أحسسته فتعوذ بالله مِنْهُ ثلاثا واتفل عَنْ يسارك" ففعلت ذلك فأذهبه اللَّه عني

.

وقد لبس إبليس عَلَى خلق كثير من الجهالة المتعبدين فرأوا أن العبادة هي القيام والقعود فحسب وهم يدأبون فِي ذلك ويخلون فِي بعض واجباتهم ولا يعلمون وَقَدْ تأملت جماعة يسلمون إذا سلم الإمام وَقَدْ بقي عليهم من التشهد الواجب شيء وذلك لا يحمله الإمام عنهم ولبس عَلَى آخرين منهم فهم يطيلون الصلاة ويكثرون القراءة ويتركون المسنون فِي الصلاة ويرتكبون المكروه فيها 


وَقَدْ دخلت عَلَى بعض المتعبدين وَهُوَ يتنفل بالنهار ويجهر بالقراءة فقلت لَهُ إن الجهر بالقراءة بالنهار مكروه فَقَالَ لي أنا أطرد النوم عني بالجهر فقلت لَهُ إن السنن لا تترك لأجل سهرك ومتى غلبك النوم فنم فإن للنفس عليك حقا 



وعن بريدة قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من جهر بالقراءة فِي النهار فارجموه بالبعر".


وقد لبس إبليس عَلَى جماعة من المتعبدين فأكثروا من صلاة الليل وفيهم من يسهره كله ويفرح بقيام الليل وصلاة الضحى أكثر مما يفرح بأداء الفرائض ثم يقع قبيل الفجر فتفوته الفريضة أَوْ يقم فيتهيأ لها فتفوفته الْجَمَاعَة أَوْ يصبح كسلان فلا يقدر عَلَى الكسب لعائلته ولقد رأيت شيخا من المتعبدين يقال لَهُ حسين القزويني يمشي كثيرا من النهار فِي جامع المنصور فسألت عَنْ سبب مشيه فَقِيلَ لي لئلا ينام فقلت هَذَا جهل بمقتضى الشرع والعقل أما الشرع فان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إن لنفسك عليك حقا فقم ونم" وكان يَقُول: "عليكم هديا قصدا فانه من يشاد هَذَا الدين يغلبه" وعن أنس بْن مالك قَالَ دخل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد وحبل ممدود بين ساريتين فَقَالَ: "مَا هَذَا" قالوا لزينب تصلي فَإِذَا كسلت أَوْ فترت أمسكت به فَقَالَ: "حلوه" ثم قَالَ: "ليصلي أحدكم نشاطه فَإِذَا كسل أَوْ فتر فليقعد" وعن عائشة قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا نعس أحدكم فليرقد حتى يذهب عنه النوم فَإِذَا صَلَّى وَهُوَ ينعس لعله يذهب ليستغفر فيذهب فيسب نفسه".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيح أخرجه البخاري ومسلم وانفرد بالذي قبله البخاري 

فنعوذ بالله من الجهل 


فَإِن قَالَ قائل فقد رويت لنا أن جماعة من السلف كانوا يحيون الليل فالجواب أولئك تدرجوا حتى قدروا عَلَى ذلك وكانوا عَلَى ثقة من حفظ صلاة الفجر فِي الْجَمَاعَة وكانوا يستعينون بالقائلة من قلة المطعم وصح لهم ذلك ثم لم يبلغنا أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سهر ليلة لم ينم فيها فسنته هي المتبوعة.


 وقد لبس إبليس عَلَى جماعة من قوام الليل فتحدثوا بذلك بالنهار فربما قَالَ أحدهم فلان المؤذن أذن بوقت ليعلم الناس أنه كان منتبها فأقل مَ


وقد لبس إبليس عَلَى جماعة من قوام الليل فتحدثوا بذلك بالنهار فربما قَالَ أحدهم فلان المؤذن أذن بوقت ليعلم الناس أنه كان منتبها فأقل مَا فِي هَذَا إن سلم من الرياء أن ينقل من ديوان السر إِلَى ديوان العلانية فيقل الثواب.


وقد لبس عَلَى آخرين انفردوا فِي المساجد للصلاة والتعبد فعرفوا بذلك واجتمع اليهم ناس فصلوا بصلاتهم وشاع بين الناس حالهم وذلك من دسائس إبليس وبه تقوى النفس عَلَى التعبد لعلمها أن ذلك يشيع ويوجب المدح 


وعن زيد بْن ثابت أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إن أفضل صلاة المرء فِي بيته إلا الصلاة المكتوبة"


 أخرجاه في الصحيحين وكان عامر بْن عَبْدِ قيس يكره أن يروه يصلي وكان لا يتنفل فِي المسجد وكان يصلي كل يوم ألف ركعة وكان ابْن أبي ليلى إذا صَلَّى ودخل عَلَيْهِ داخل أضطجع.



وقد لبس عَلَى جماعة من المتعبدين فتراهم يصلون الليل والنهار ولا ينظرون فِي إصلاح عيب باطن ولا فِي مطعم والنظر فِي ذلك أولى بهم من كثرة التنفل.


والحمد لله رب العالمين

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات