ترجمة الشيخ محمد علي ابن الشيخ جميل الصابوني الحلبي.
عالم عامل، فقيه، حافظ، مفسر.
ولادته و نشأته
ولد الشيخ في مدينة حلب، سنة: تسع وأربعين وتسعمئة وألف للهجرة، ونشأ في أسرة محبة للعلم والعلماء، فوالده الشيخ جميل أحد كبار علماء حلب في عصره، ومن هذه الأسرة المباركة خرج كثير من علماء حلب، مثال الشيخ عطاء الله الصابوني، والشيخ أحمد الصابوني، وغيرهم من العلماء، وقد ورث الشيخ عن والده حبّ العلم، وأخذ عنه الكثير من العلوم الشرعية والعربية.
طلبه للعلم
تلقى مبادئ العلوم العربية والشرعية، وحفظ أجزاء من القرآن الكريم في أحد كتاتيب المدينة، ثُم أكمل حفظه وهو في المرحلة الثانوية، ودرس المرحلة الابتدائية في إحدى المدارس النظامية الحكومية، وأتم دراسته الابتدائية بنجاح باهر وتفوق ملحوظ، انتسب بعدها إلى الثانوية التجارية في حلب، ودرس فيها مدة، وكان من المتفوقين على رفاقه فيها، إلا إنّ دراسة التجارة لم تنسجم مع ميوله الشرعية التي تأبى دراسة المعاملات الربوية فترك المدرسة، وأنتسب إلى المدرسة (الخسروية)، التي كانت تسمى (الكلية الشرعية)، وفيها التقى كوكبة من شيوخه العلماء الكبار، أمثال:
الشيخ محمد سعيد الإدلبي
والشيخ أحمد الشماع
والشيخ محمد نجيب خياطة
والشيخ محمد زين العابدين الجذبة
والشيخ محمد راغب الطباخ
والشيخ محمد السلقيني
والشيخ محمد أسعد العبه جي
والشيخ عبد الله حماد
والشيخ محمد ناجي أبو صالح
وغيرهم من علماء حلب الأفاضل
وقد أخذ عنهم علوم القرآن الكريم والتفسير والحديث النبوي الشريف ومصطلحه، والفقه وأصوله، والفرائض والسيرة النبوية المطهرة والتاريخ الإسلامي، وعلوم اللغة العربية، نحوها وصرفها وبلاغتها وآدابها، بالإضافة إلى بعض العلوم الكونية، كالرياضيات والعلوم العامة والفيزياء والكيمياء والجغرافيا واللغة الإنكليزية، وغيرها من العلوم.
وتابع الشيخ دراسته في هذه المدرسة بجد واجتهاد، إلى أن تخرج بها بتفوق ملحوظ سنة:1369 هـ - 1949 م.
ونظراً لتفوقه في الدراسة في (الكلية الشرعية)، فقد بعثته وزارة الأوقاف إلى القاهرة، ليتابع دراساته الشرعية على نفقتها، وشدّ الشيخ رحاله إلى القاهرة، وانتسب إلى كلية الشريعة في جامعة الأزهر، وانصرف إلى الدراسة فيها بكلّ جدّ واجتهاد، إلى أن تخرج فيها، سنة: 1372 هـ - 1952 م، وتابع الشيخ دراساته العليا التخصصية في الأزهر الشريف، إلى أن حصل على شهادته (العالمية) باختصاص، (القضاء الشرعي)، وذلك سنة: 1375 هـ - 1955 م.
الدعوة والتدريس
عاد الشيخ بعدها إلى موطنه حلب، ليعمل على نشر العلم الذي حصله، وإفادة الطلاب من بني وطنه، فعمل مدرساً لمادة التربية الإسلامية في عدد من ثانويات حلب، ودور المعلمين فيها، وظل على عمله في التعليم إلى عام: 1962م، انتدب بعدها إلى المملكة العربية السعودية أستاذاً مُعاراً، من وزارة التربية في سورية، للتدريس بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، وكلية التربية بجامعة الملك عبد العزيز، فرع مكة المكرمة، وكان على رأس البعثة السورية إلى المملكة آنذاك، فدرّس فيها ما يقارب ثمانية وعشرين عاماً، وتخرج على يديه أساتذة الجامعة في هذه الفترة الطويلة.
ونظراً لنشاطه العلمي في البحث والتأليف، فقد رأت جامعة أم القرى أن تسند إليه تحقيق بعض كتب التراث الإسلامي، فعيّن باحثاً علمياً في مركز (البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي)، فاشتغل في تحقيق كتاب (معاني القرآن) للإمام أبي جعفر النحاس، المتوفى سنة: 338 هـ، وقد خرج الكتاب في ستة أجزاء.
انتقل الشيخ بعدها للعمل في رابطة العالم الإسلامي، مستشاراً في (هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة)، وبقي فيها عدة سنوات، تفرغ بعدها للتأليف والبحث العلمي، ورغم انشغال الشيخ في نشر العلم، وإفادة الطلاب عن طريق التدريس في الجامعة، وتأليف الكتب المفيدة، وتحقيق كتب التراث، لم يغفل عن الدعوة إلى الله بين صفوف العامة من الناس، فقد كان له نشاط دعوي واسع، وذلك من خلال دروسه في المسجد الحرام بمكة المكرمة، وتصدره للإفتاء فيه في مواسم الحج، كما كان له درس أسبوعي في التفسير، في أحد مساجد مدينة (جدة)، امتد لفترة ما يقارب الثماني سنوات، فسّر خلالها لطلاب العلم أكثر من ثلثي القرآن الكريم، وهي مسجلة على أشرطة كاسيت، كما قام الشيخ بتسجيل وتصوير أكثر من ستمئة حلقة لبرنامج لتفسير القرآن الكريم كاملاً، ليعرض في تلفزيون المملكة العربية السعودية، وقد استغرق هذا العمل زهاء السنتين، وقد أتمه نهاية عام 1419هـ.
شارك الشيخ في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية، واختارته اللجنة المنظمة لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، سنة: 1431هـ، ليكون (شخصية العام الإسلامية)، وذلك نظراً لجهوده المتواصلة في خدمة الدين الإسلامي والمسلمين، من خلال العديد من الكتب، والإنتاج الغزير في المؤلفات، وخاصة تفسير القرآن الكريم، وصرح رئيس اللجنة المنظمة خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بمقر الجائزة: (إن اختيار الشيخ الصابوني جاء بناءً على كثير من المعايير التي تم وضعها من الجائزة لاختيار الشخصية الإسلامية)، وقال: (إن الشيخ الصابوني من العلماء المتميزين في شتى العلوم الشرعية، وعلوم القرآن الكريم خاصة، وتضم أعماله كتاب صفوة التفاسير، وروائع البيان في تفسير آيات الأحكام وغيرها)، وردّ الشيخ قائلاً: إنني نذرت نفسي لخدمة كتاب الله عز وجل، وللعلوم الشرعية من أجل الإسلام والمسلمين.
كما كرمه الشيخ عبد المقصود خوجة، في (إثنينيته)، وذلك مساء يوم الاثنين الواقع في 8/4/1410 هـ، الموافق لـ 6/11/1989 م، وقد ألقي في الاحتفال عدد من كلمات العلماء الافاضل، الذين أشادوا بعلم المترجم وأخلاقه، نذكر منهم: الأستاذ محمد حسين زيدان، والأستاذ الشيخ الحبيب بلخوجة، والأستاذ عبد الفتاح أبي مدين، والأستاذ الشيخ محمد عبده يماني، ومما جاء في كلمة الشيخ محمد عبده يماني، قوله: (والحق إن الشيخ الصابوني يستحق كلً التقدير، لأنه رجل عمل في صمت، وصدق، وصبر وإيمان، وتقبل النقد بصدر رحب، وصبر على الأذى... وأشهد إن هذا الرجل خدم العلم بأخلاق العلماء الذين عهدناهم في الأزمنة الغابرة)، والقى شاعر طيبة الأستاذ الشيخ محمد ضياء الدين صابوني، قصيدة طويلة نذكر منها هذا البيت:
لك يا علي مآثر محمودة=لا زلت في التفسير خير إمام
مؤلفاته
وللشيخ مؤلفات عديدة في شتى العلوم الشرعية والعربية، ألفها في مشواره العلمي الطويل، لاقت قبولاً وانتشاراً واسعاً بين طلاب العلم في شتى أنحاء العالم الإسلامي، وترجم العديد منها إلى لغات مختلفة، وقد زادت مؤلفاته حتى الآن على الأربعين مؤلفاً موزعة بين تأليف وتحقيق منها:
1- المواريث في الشريعة الإسلامية.
2- من كنوز السنة، دراسة أدبية ولغوية من الحديث.
3- النبوة والأنبياء، دراسة تفصيلية لحياة الرسل المذكورين في القرآن.
4- روائع البيان في تفسير آيات الأحكام من القرآن (جزآن).
5- صفوة التفاسير.
6- قبس من نور القرآن الكريم.
7- التفسير الواضح الميسر.
8- كشف الافتراءات في رسالة التنبيهات حول صفوة التفاسير.
9- التبصير بما في رسائل بكر أبو زيد من التزوير.
10- مختصر تفسير ابن كثير، اختصار وتحقيق (ثلاثة أجزاء).
11- شبهات وأباطيل حول تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم.
12- رسالة الصلاة.
صفاته وأخلاقه
طيب القلب، عف اللسان، جريء في قول الحق، يجهر بما يؤمن به، ويعتقد صوابه، صبور على طلب العلم وبذله، يسع من يخالقه وينال من أعماله ومؤلفاته، ولا يدفع تطاوله إلا بالحكمة وبالتي هي أحسن، متواضع لا يري نفسه إلا طالب علم، رغم ما وصل إليه من المكانة العلمية، كثير العبادة وتلاوة القرآن الكريم، عظيم الخشية من الله تعالى.
جميل الوجه، مهاب الطلعة، زادته لحيته البيضاء الجميلة جمالاً ووقاراً، يزين رأسه بعمامة بيضاء، وقد يضع فوقها منديلاً أبيضاً
وفاته
توفي رحمه الله تعالى في مدينة يلوا التركية يوم الجمعة السادس من شعبان عام 1442 الموافق 19 / 3 / 2021 عن عمر يناهز 91 عام
تعليقات
إرسال تعليق