القائمة الرئيسية

الصفحات

مقتطفات من كتاب تلبيس ابليس، تلبيس إبليس عَلَى الكاملين من العلماء

بسم الله الرحمن الرحيم



ذكر تلبيس إبليس عَلَى الكاملين من العلماء

قال ابن الجوزي  إن أقواما علت هممهم فحصلوا علوم الشرع من القرآن والحديث والفقه والأدب وغير ذلك فأتاهم إبليس يخفي التلبيس فأراهم أنفسهم بعين عظيمة لما نالوا وأفادوا غيرهم فمنهم من يستفزه لطول عنائه فِي الطلب فحسن لَهُ اللذات وقال لَهُ إِلَى متى هَذَا التعب فأرح جوارحك من كلف التكاليف وافسح لنفسك من مشتهاها فان وقعت فِي زلة فالعلم يدفع عنك العقوبة 

وأورد عَلَيْهِ فضل العلماء فان خذل هَذَا العبد وقبل هَذَا التلبيس يهلك وان وفق فينبغي لَهُ أن يَقُول جوابك من ثَلاثَة أوجه 

أحدها أنه إنما فضل العلماء بالعمل ولولا العمل به مَا كان لَهُ معنى وإذا لم أعمل به كنت كمن لم يفهم المقصود به ويصير مثلي كمثل رجل جمع الطعام وأطعم الجياع ولم يأكل فلم ينفعه ذلك من جوعه 

والثاني أن يعارضه بما ورد فِي ذم من لم يعمل بالعلم لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه اللَّه بعلمه

وحكايته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رجل يلقي فِي النار فتندلق أقتابه فيقول كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عَن المنكر وآتيه 


أن يذكر لَهُ عقاب من هلك من العلماء التاركين لِلْعَمَل بالعلم كإبليس وبلعام ويكفي فِي ذم العالم إذا لم يعمل قوله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} .

 وقد لبس إبليس عَلَى أقوام من المحكمين فِي العلم والعمل من جهة أخرى فحسن لهم الكبر بالعلم والحسد للنظير والرياء لطلب الرياسة 

فتارة يريهم أن هَذَا كالحق الواجب لهم 

وتارة يقوي حب ذلك عندهم فلا يتركونه مَعَ علمهم بأنه خطأ وعلاج هَذَا لمن وفق إدمان النظر فِي إثم الكبر والحسد والرياء وإعلام النفس أن العلم لا يدفع شر هذه المكتسبات بل يضاعف عذابها لتضاعف الحجة بِهَا ومن نظر فِي سير السلف من العلماء العاملين استقر نفسه فلم يتكبر ومن عرف اللَّه لم يراء ومن لاحظ جريان أقداره عَلَى مقتضى إرادته لم يحسد.

وَقَدْ يدخل إبليس عَلَى هؤلاء بشبهة ظريفة فيقول طلبكم للرفعة ليس بتكبر لانكم نواب الشرع فانكم تطلبون إعزاز الدين ودحض أهل البدع وإطلاقكم اللسان فِي الحساد غضب للشرع إذ الحساد قد ذموا من قَامَ به وما تظنونه رياء فليس برياء لأن من تخاشع مِنْكُمْ وتباكى اقتدى به الناس كَمَا يقتدون بالطبيب إذا احتمى أكثر من اقتدائهم بقوله إذا وصف.

وكشف هَذَا التلبيس أنه لو تكبر متكبر عَلَى غيرهم من جنسهم وصعد فِي المجلس فوقه أَوْ قل حاسد عنه شيئا لم يغضب هَذَا العالم لذلك كغضبه لنفسه وإن كان المذكور من نواب الشرع فعلم أنه إنما لم يغضب لنفسه بل للعلم وأما الرياء فلا عذر فيه لأحد ولا يصلح أن يجعل طريقا لدعاية الناس وَقَدْ كان أيوب السختياني إذا حدث بحديث فرق ومسح وجهه وقال مَا أشد الزكام 

وبعد هَذَا فالأعمال بالنيات والناقد بصير وكم من ساكت عَنْ غيبة المسلمين إذا اغتيبوا عنده فرح قلبه وَهُوَ آثم بذلك من ثَلاثَة أوجه 

أحدها الفرح فانه حصل بوجود هذه المعصية من المغتاب 

والثاني لسروره بثلب المسلمين والثالث أنه لا ينكر.

وقد لبس إبليس عَلَى الكاملين فِي العلوم فيسهرون ليلهم ويدأبون نهارهم فِي تصانيف العلوم ويريهم إبليس أن المقصود نشر الدين ويكون مقصودهم الباطن انتشار الذكر وعلو الصيت والرياسة وطلب الرحلة من الآفاق إِلَى المصنف.

وينكشف هَذَا التلبيس بأنه لو انتفع بمصنفاته الناس من غير تردد إِلَى أَوْ قرئت عَلَى نظيره فِي العلم فرح بذلك إن كان مراده نشر العلم 

وَقَدْ قَالَ بعض السلف مَا من علم علمته إلا أحببت أن يستفيده الناس من غير أن ينسب إلي ومنهم من يفرح بكثرة الاتباع ويلبس عَلَيْهِ إبليس بأن هَذَا الفرح لكثرة طلاب العلم وإنما مراده كثرة الأصحاب واستطارة الذكر ومن ذلك العجب بكلماتهم وعلمهم وينكشف هَذَا التلبيس بأنه لو انقطع بعضهم إِلَى غيره ممن هو أعلم مِنْهُ ثقل ذلك عَلَيْهِ وما هذه صفة المخلص فِي التعليم لأن مثل المخلص مثل الأطباء الذين يداوون المرضى لله سبحانه وتعالى فَإِذَا شفي بعض المرضى عَلَى يد طبيب منهم فرح الآخر وَقَدْ ذكرنا آنفا حديث ابْن أبي ليلى ونعيده بإسناد آخر عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أبي ليلى قَالَ أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأنصار مَا منهم رجل يسأل عَنْ شيء إلا ود أن أخاه كفاه ولا يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه.

 قَالَ ابن الجوزي وَقَدْ يتخلص العلماء الكاملون من تلبيسات إبليس الظاهرة فيأتيهم بخفي من تلبيسه بأن يَقُول لَهُ مَا لقيت مثلك مَا أعرفك بمداخلي ومخارجي فان سكن إِلَى هَذَا هلك بالعجب وان سلم من المسألة لَهُ سلم وَقَدْ قَالَ السري السقطي لو أن رجلا دخل بستانا فيه من جميع مَا خلق اللَّه عز وجل من الأشجار عليها من جميع مَا خلق اللَّه تعالى من الأطيار فخاطبه كل طائر بلغته وقال السلام عليك يا ولي اللَّه فسكنت نفسه إِلَى ذلك كأن فِي أيديها أسيرا وَاللَّه الهادي لا إله إلا هو.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات