بسم الله الرحمن الرحيم
أعظم الأسباب وأصلها وأسها هو الإيمان والعمل الصالح
وأعظم الأسباب لذلك وأصلها وأسها هو: الإيمان والعمل الصالح،
قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]
فأخبر تعالى ووعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة في هذه الدار، وبالجزاء الحسن في هذه الدار، وفي دار القرار.
لماذا المؤمن يسعد في الدنيا والآخرة وغير المؤمن يشقى في الدنيا والآخرة
وسبب ذلك واضح: فإن المؤمنين بالله الإيمان الصحيح، المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة، معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج، وأسباب القلق والهم والأحزان.
ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه، والصبر الجميل لما ليس لهم عنه بد، وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة، والتجارب والقوة، ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب أمورا عظيمة تضمحل معها المكاره، وتحل محلها المسار والآمال الطيبة، والطمع في فضل الله وثوابه،
كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا في الحديث الصحيح أنه قال: «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن» [رواه مسلم] .
فأخبر صلى الله عليه وسلم أن المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمرات أعماله في كل ما يطرقه من السرور والمكاره.
لهذا تجد اثنين تطرقهما نائبة من نوائب الخير أو الشر، فيتفاوتان تفاوتا عظيما في تلقيها، وذلك بحسب تفاوتهما في الإيمان والعمل الصالح.
فيحدث له السرور والابتهاج، وزوال الهم والغم، والقلق، وضيق الصدر، وشقاء الحياة، وتتم له الحياة الطيبة في هذه الدار.
والآخر يتلقى المحاب بأشر وبطر وطغيان، فتنحرف أخلاقه ويتلقاها كما تتلقاها البهائم بجشع وهلع، ومع ذلك فإنه غير مستريح القلب، بل مشتته من جهات عديدة، مشتت من جهة خوفه من زوال محبوباته، ومن كثرة المعارضات الناشئة عنها غالبا، ومن جهة أن النفوس لا تقف عند حد بل لا تزال متشوقة لأمور أخرى، قد تحصل وقد لا تحصل، وإن حصلت على الفرض والتقدير فهو أيضا قلق.
ويتلقى المكاره بقلق وجزع وخوف وضجر، فلا تسأل عن ما يحدث له من شقاء الحياة، ومن الأمراض الفكرية والعصبية، ومن الخوف الذي قد يصل به إلى أسوأ الحالات وأفظع المزعجات؛ لأنه لا يرجو ثوابا ولا صبر عنده يسليه ويهون عليه.
وكل هذا مشاهد بالتجربة، ومثل واحد من هذا النوع إذا تدبرته ونزلته على أحوال الناس، رأيت الفرق العظيم بين المؤمن العامل بمقتضى إيمانه، وبين من لم يكن كذلك، وهو أن الدين يحث غاية الحث على القناعة برزق الله، وبما أتى العباد من فضله وكرمه المتنوع.
فالمؤمن إذا ابتلي بمرض أو فقر، أو نحوه من الأغراض التي كل أحد عرضة لها، فإنه بإيمانه وبما عنده من القناعة والرضى بما قسم الله له، تجده قرير العين، لا يتطلب بقلبه أمرا لم يقدر له، ينظر إلى من هو دونه، ولا ينظر إلى من هو فوقه، وربما زادت بهجته وسروره وراحته على من هو متحصل على جميع المطالب الدنيوية، إذا لم يؤت القناعة.
كما تجد هذا الذي ليس عنده عمل بمقتضى الإيمان، إذا ابتلي بشيء من الفقر، أو فقد بعض المطالب الدنيوية، تجده في غاية التعاسة والشقاء.
وتجد فاقد الإيمان اذا وقعت المخاوف انزعج لها ضميره، وتوترت أعصابه، وتشتتت أفكاره، وداخله الخوف والرعب، واجتمع عليه الخوف الخارجي، والقلق الباطني الذي لا يمكن التعبير عن كنهه، وهذا النوع من الناس؛ إن لم يحصل لهم بعض الأسباب الطبيعية التي تحتاج إلى تمرين كثير، انهارت قواهم وتوترت أعصابهم وذلك لفقد الإيمان الذي يحمل على الصبر، خصوصا في المحال الحرجة، والأحوال المحزنة المزعجة.
المؤمن والكافر والبر والفار يشتركان في الطبيعة البشرية فما يميز المؤمن؟
فالبر والفاجر، والمؤمن والكافر يشتركان في جلب الشجاعة الاكتسابية، وفي الغريزة التي تلطف المخاوف وتهونها ولكن يتميز المؤمن بقوة إيمانه وصبره وتوكله على الله واعتماده عليه، واحتسابه لثوابه- أمورا تزداد بها شجاعته، وتخفف عنه وطأة الخوف، وتهون عليه المصاعب،
كما قال تعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: 104]
ويحصل لهم من معونة الله ومعينه الخاص ومدده ما يبعثر المخاوف،
وقال تعالى: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]
[[ومن الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق]]
الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل، وأنواع المعروف. وكلها خير وإحسان، وبها يدفع الله عن البر والفاجر الهموم والغموم بحسبها، ولكن للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب، ويتميز بأن إحسانه صادر عن إخلاص واحتساب لثوابه فيهون الله عليه بذل المعروف لما يرجوه من الخير، ويدفع عنه المكاره بإخلاصه واحتسابه،
قال تعالى:{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114]
فأخبر تعالى أن هذه الأمور كلها خير ممن صدرت منه، والخير يجلب الخير، ويدفع الشر، وأن المؤمن المحتسب يؤتيه الله أجرا عظيما، ومن جملة الأجر العظيم: زوال الهم والغم والأكدار ونحوها.
والحمد لله رب العالمين
من كتاب الوسائل المفيدة في الحياة السعيدة لعبد الرحمن السعدي (بتصرف)
تعليقات
إرسال تعليق