بسم الله الرحمن الرحيم
انتشار الاسلام خارج المدينة:
لم يقتصر انتشار الاسلام على أهل المدينة، فقبل قيام الدولة فيها قام بعض المسلمين من خارج مكة بتبليغ الدعوة إلى قبائلهم، كما فعل أبو ذر الغفاري مع قبيلته غفار، والطفيل بن عمرو الدوسي مع قبيلة دوس (من أزد اليمن).
ولما قامت دولة الاسلام بالمدينة اهتمت بإرسال الدعاة إلى البوادي لدعوة القبائل رغم الأخطار التي كان تحدق بالوفود، كما حدث في الرجيع وبئر معونة كما أن الرسائل الدعوية التي وجهها النبي صلى الله عليه وسلم في العام السادس بعد الحديبية إلى الملوك والأمراء شملت عددا من حكام المناطق العربية في البحرين وبصري.
وقد دخلت مكة في الاسلام عام ثمانية للهجرة بعد فتحها، وأسلم أهل الطائف في العام التاسع للهجرة وقد شكل محور المدينة- مكة- الطائف مركز الثقل الاسلامي في حروب الردة. وكان يضم الأنصار والمهاجرين وبقية قريش وثقيف ومزينة وغفار وجهينة وبلي وأشجع وأسلم وكعب، وفي نجد ثبت على الاسلام طوائف من بني سليم وطيء وهذيل
وتميم- ثبت منها على الاسلام في حركة الردة عدد من بطونها هم عوف والأبناء والرباب وبهوى وارتد بنو حنظلة ومقاعس والبطون وعبس وذبيان وقضاعة وكلب وأسد وغطفان وهوازن وعامر وهذه الطوائف وقفت ضد المرتدين، وتعرضت للقتل أو الأذى.
وهكذا انقسمت القبائل على نفسها بسبب الولاء للاسلام والارتداد عنه. كما امتد الاسلام في شمال شبه الجزيرة العربية فاسلم بنو شيبان وبنو عذرة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم
وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم الأمراء والدعاة إلى اليمن مثل معاذ بن جبل وعلي بن أبي طالب ثم أرسل أبا موسى الأشعري فكان على الأشعريين بزبيد ورمع وعدن والساحل.
وقد واجهوا الوثنية في معظم قبائل اليمن كما واجهوا النصرانية التي تدين بها بنو الحارث بن كعب واليهودية التي يدين بها حمير وكثير من كندة وقد أثمرت جهودهم، فأسلم ملوك حمير، شرحبيل والحارث ابني عبد كلال ونعيم بن عبد كلال قيل ذي رعين .
وأسلم باذان حاكم صنعاء من قبل الفرس وأسلم معه الأبناء، وأرسلت اليمن وفودها عام ٩ هـ منهم وفد كندة، ووفد الأشعريين، ووفد همدان، ووفد دوس ، مما يدل على انتشار الاسلام في اليمن، وقد كان لثبات قبائل ذي مران وذي الكلاعي وذي ظليم وبجيلة وزبيد والنخع وجعفي والأبناء والسكون والسكاسك على الاسلام أثره في إحباط ردة الأسود.
وكان في القبائل المرتدة مثل بني عقيل بن ربيعة وعك وخثعم طوائف من المسلمين ثبتت على الاسلام ووقفت ضد الأسود العنسي، بل إن قبيلة مذحج التي ينتسب الأسود إليها ثبت عدد كبير من رجالها على الاسلام وحاربوا الأسود، لكن جهال القبيلة كانوا معه.
أما في حضرموت فقد انتشر الاسلام في طوائف من قبيلة كندة إلا أن حركة الردة وجدت أنصاراً كثيرين لها في أوساط هذه القبيلة مما يدل على الانقسام داخل كندة
ولكن بقيت قبائل نجران على نصرانيتها وخضعت للدول الاسلامية وحافظت على علاقاتها معها خلال أحداث ردة الأسود العنسي وكان عمرو بن حزم واليا على نجران.
وانتشر الاسلام في اليمامة، وقد ثبت الكثيرون من المسلمين أمام حركة الردة التي قادها مسيلمة، وكان في بني حنيفة قبيلة مسيلمة عدد كبير من المسلمين، وقد قاوموا مسيلمة بقيادة ثمامة بن أثال الحنفي وقد انتشر الاسلام في عمان والبحرين في بني جديد وبني ناجية وبني عبد القيس وكعب بن ربيعة ولم ينتشر الاسلام في قبيلة ربيعة بنطاق واسع، يكشف عن ذلك مسارعتها إلى الردة وانتشر الاسلام في أوساط قبائل مهرة وخاصة أهل النجد، وأهل رياض الروضة، وأهل الساحل، وأهل الجزائر، وأهل المر واللبان، وأهل جيروت، وظهور الشحر والصبرات وينعب وذات الخيم، وبعض بني محارب.
إن الردة عن الاسلام في عصر الرسالة حركة واسعة جرت في أوساط القبائل العربية الكبيرة وهي قبيلة أسد وتزعمهم طليحة بن خويلد الأسدي وبنو حنيفة وتزعمهم مسيلمة بن حبيب وقبائل عنس ومراد وسعد العشيرة وكلهم من مذحج وتزعمهم الأسود العنسي.
وتنفرد ردة بني أسد بقربها الجغرافي من عاصمة الاسلام "المدينة" مما يشكل خطراً كبيراً على الدولة الناشئة.
أما ردة بني حنيفة في اليمامة وردة مذحج وديارها منتشرة في شمال شرق وجنوب شرق ووسط وغرب اليمن فتبدو خطورتهما بسبب الكثافة السكانية حيث يمكن تقديم الألوف العديدة من المقاتلين بالإضافة إلى الإمكانيات الاقتصادية في المنطقتين بسبب النتاج الزراعي الواسع فضلا عن النشاط التجاري والصناعي.
وترجع عوامل الردة إلى عدم تغلغل الإيمان في القلوب لتأخر اسلامهم وبسبب قصر الزمن الذي تم فيه تبلغ الدعوة، وطبيعة الأعراب المتسمة بالجفاء مع ضعف المستوى الثقافي مما جر إلى ضعف فقه تعاليم الدين وخاصة بالنسبة للزكاة التي اعتبرها البعض ضريبة مهينة، واستثقلوا الصلاة والعبادات الأخرى، كما أن العصبية القبلية لا زالت عميقة في تلك البلاد النائية ووسط نجد حيث ترى القبائل أنها أضخم عددا وعُددا من قريش وبالتالي فهي أولى بالزعامة، وعلى الأقل لم تكن ترضى بالخضوع لحكم قريش.
وقد ظهر زعماء طموحون تطلعوا إلى القيادة مقلدين الرسول صلى الله عليه وسلم في أسلوب العمل والدعوة، ولم ينتبهوا إلى الفروق الكبيرة بين النبوة الصادقة وانتحالها لأغراض شخصية. ومن هنا كان ادعاء النبوة من قبل زعماء الحركات المرتدة.
وقد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم بظهور ثلاثين كذاباً من مدعي النبوة منهم الأسود ومسيلمة وقد قدم مسيلمة المدينة في بشر كثير من قومه واشترط حتى يسلم أن يكون الأمر له بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وإجابة الرسول صلى الله عليه وسلم له وفي يده قطعة جريد: "لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أريتُ فيك ما رأيتُ" .
وحديث رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم: "بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب، فأهمَّني شأنهما، فأوحي إلي في المنام أن أنفخهما، فنفختهما فطارا، فأوَّلتهما كذابين يخرجان، فكان أحدهما العنسي، والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة".
وقتل مسيلمة على يد وحشي الذي يروي الخبر: "فخرج مسيلمة الكذاب، قلتُّ: لأخرجنَّ إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة، قال: فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان، قال: فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس، قال: فرميته بحربتي، فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه. قال: ووثب رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته". قال ابن عمر: "فقالت جارية على ظهر بيت: واأمير المؤمنين، قتله العبد الأسود" .
ووصف أبو رجاء العطاردي التميمي أحوال قومه الدينية وأنهم كانوا يعبدون الحجر فإذا وجدوا أحسن منه ألقوه، وقد يصنعونه من تراب ولبن ثم يطوفون به، وأنهم ينزعون الحديد من السلاح في شهر رجب إشارة إلى ترك القتال في الأشهر الحُرُم. وأن قومه لما بلغهم ظهور الاسلام التحقوا بمسيلمة وهو معهم
وتذكر رواية أن عبد الله بن مسعود في إمارته على الكوفة أول خلافة عثمان رضي الله عنه استتاب أتباعاً لمسيلمة من بني حنيفة كانوا لا يزالون على إيمانهم به، وأنه قتل منهم ابن النوَّاحة فقط وكان رسولاً لمسيلمة في عهد النبوة، وامتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله "لأن الرسل لا تقتل"، فلما ظفر به عبد الله بن مسعود هذه المرة قتله . وكانوا ثمانين رجلاً، ومعهم مصحف فيه قراءة مسيلمة وخبر هزيمة بني أسد أمام خالد بن الوليد يوم بزاخة.
والحمد لله رب العالمين
جزاك الله خيرا
ردحذفوإياكم
ردحذف