بسم الله الرحمن الرحيم
اصيبت امة الإسلام بأكبر مصيبة وهي وفاة الني محمد صلى الله عليه وسلم ومع حزن صحابته عليه لم يخرج هم الدعوة والحفاظ على دولة الإسلام ووحدة صفها وتماسكها من قلوبهم رضي الله عنهم اجمعين فالأمة في هذه الوقت العصيب بأمس الحاجة لخليفة يقودها ويجمع شملها ولابد ان يشتمل خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مجموعة الخصال منا قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وقدمه في الإسلام وخدمته للدين وإمكانية اجتماع الأمة عليه
ففي يوم وفاته صلى الله عليه وسلم تطلع المهاجرون إلى أبي بكر رضي الله عنه
وبعضهم كان منشغلاً مع علي رضي الله عنه بتشييع النبي صلى الله عليه وسلم
و التف الأنصار حول زعيم الخزرج سعد بن عبادة وعقدوا اجتماعاً في سقيفة بني ساعدة لمناقشة الموقف فالأنصار هم السكان الأصليون للمدينة، وقد آووا المهاجرين ونصروا الإسلام بأرواحهم وأموالهم، وهيئوا له فرص الاستقرار والانتشار، وعرفوا بإيثارهم وصبرهم وجهادهم وتضحياتهم أفلا يكون لهم الحق في رئاسة الدولة ورعاية الإسلام؟
وقد بلغ المهاجرين خبر اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة وهم مجتمعون مع أبي بكر الصديق رضى الله عنه لترشيح من يتولى الخلافة فقال المهاجرون لبعضهم: "انطلقوا بنا إلى إخواننا من الأنصار، فإن لهم في هذا الحق نصيباً"
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان، فذكرا ماتمالأ عليه القوم. فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ قلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار. فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم. فقلت: والله لنأتينهم. فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمِّل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة فقلت ماله؟ قالوا: يوعك
ويبدو أن عدد المهاجرين الذين دخلوا السقيفة كان محدوداً، وربما دخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة أولاً ثم تلاحق المهاجرون
وقالت بعض الروايات انه قد حدث نقاش طويل بين المهاجرين والأنصار حول أحقية كل طرف بتولي الخلافة. وقد بين أحد الأنصار أحقيتهم بقوله: "أما بعد فنحن أنصار الله، وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط، وقد دفَّت دافَّة من قومكم، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، وأن يحضنونا من الأمر"
أما المهاجرون فتكلم عنهم أبو بكر رضي الله عنه بحلم ووقار وبديهية كما وصفه ابن عمر فقال: "ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يُعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً يا معشر الأنصار إنا والله ما ننكر فضلكم، ولا بلاءكم في الإسلام، ولا حقكم الواجب علينا، ولكنكم عرفتم أن هذا الحي من قريش بمنزلة من العرب ليس بها غيرهم، وأن العرب لن تجتمع إلا على رجل منهم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، فاتقوا الله ولا تصدعوا الإسلام،
ولا تكونوا أول من أحدث في الإسلام"
وقد وردت روايات ضعيفة تفيد أن المهاجرين احتجوا على الأنصار بحديث "قريش ولاة هذا الأمر" ولكن يبدو أن الحديث لم يخطر على بالهم، أو أن الصديق اكتفى بتضمينه في كلامه، والأول أقوى لأن الحديث كان سيقطع الأمر لصالح المهاجرين دون استمرار الحوار.
لقد نظر الأنصار إلى الخلافة من زاوية محدودة بظروف المجتمع المدني والعلاقة التأريخية بين المهاجرين والأنصار، أما المهاجرون فنظروا نظرة واسعة على مستوى الدولة كلها وما يترتب على خروج السلطة من قريش من عواقب كبيرة لأن العرب يمكن أن ترض بقيادتها لمكانتها فيهم، أما لو تولاها الأنصار فقد تقع انشقاقات خطيرة تؤدي إلى تفكك الدولة الإسلامية.
وقد طرح عدد من الأنصار فكرة تعيين أميرين أحدهما من المهاجرين والآخر من الأنصار، ولكن أبا بكر رضي الله عنه قال: "لا، ولكنَّا الأمراء وأنتم الوزراء"وقال عمر: "سيفان في غمد واحد!! إذا لا يصلحان
وهنا تدخل كاتب الوحي زيد بن ثابت وهو من الخزرج فقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين، ونحن أنصارهم كما كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم". فقال أبو بكر "جزاكم الله خيرا من حي يا معشر الأنصار، وثبت قائلكم، والله لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم" وهكذا فإن الخزرج هم الذين قاموا بالتنازل إتباعا للحق ومراعاة للمصلحة الإسلامية، ولم يكن التنازل بسبب عدم رغبة الأوس في تولي الخزرج الخلافة كما يزعم أبو مخنف
لقد جرى الترشيح بعد أن استقر الرأي على استخلاف أحد المهاجرين، فرشح أبو بكر أحد اثنين، عمر وأبي عبيدة. فقال عمر: "بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" وذكَّر بفضل أبا بكر قائلا: "ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن
يصلي بالناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ قالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر" وذكرهم بموقفه في حادثة الهجرة، ثم بايعه عمر وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار
"ومن استعراض الروايات الصحيحة لاجتماع السقيفة ومبايعة أبي بكر خليفة يتبين أن الاجتماع لم يدم طويلاً، ولم تجر فيه مناقشات طويلة بين المهاجرين والأنصار، أو تنافس وصراع على تولي الخلافة، أو حدَّة في الكلام أو تهديدات أو عراك بالأيدي بين المجتمعين. وهذا كله مما صورته بعض الروايات الضعيفة التي وردت عن اجتماع السقيفة، والتي تناقلها المؤلفون المعاصرون فشوَّهوا الصورة الوضاءة لذلك الاجتماع التأريخي الرفيع والذي قرر مصير الخلافة والدولة الإسلامية بحزم وترفع وإحساس كبير بالمسؤولية يستعلى على التفاهات والأهواء.
ولم يكن أبو بكر رضي الله عنه حريصاً على الإمارة بل كان كارهاً لتوليها لما يعلمه من عظم المسؤولية أمام الله تعالى وخوفه من التقصير فيها، رغم أن الصحابة كانوا يعلمون أنه أحقهم بها، وأقواهم عليها، وقد صارح أبو بكر المسلمين بمشاعره مرارا:فقال "والله ما كنتُ حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلةً قط، ولا كنت راغباً فيها، ولا سألتها الله عز وجل في سر ولا علانية، ولكني أشفقت من
الفتنة، ومالي في الإمارة من راحة، ولكن قُلِّدتُ أمراً عظيماً مالي به من طاقة، ولا يد إلا بتقوية الله عز وجل، ولوددتُ أن أقوى الناس عليها مكاني اليوم" وقد عرفت بيعة أبي بكر في السقيفة بالبيعة الخاصة وكانت يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة احدى عشر من الهجرة، وفي اليوم التالي خرج إلى المسجد فبايعه الناس فيما عرف بالبيعة العامة بعد خطبة ألقاها عمر بن الخطاب اعتذر فيها عن موقفه من حادثة الوفاة النبوية وإنكارها، وبين مكانة أبي بكر في الصحبة والهجرة، وأبو بكر صامت لا يتكلم، حتى انتهى عمر من خطبته وطلب من أبي بكر الصعود إلى المنبر لتلقي البيعة من الناس وطريقة البيعة ،ان يجتمع عليه العصابة فيقول لهم: "بايعوني على السمع والطاعة لله ولكتابه ثم للأمير"
وبعد البيعة العامة هذه، خطب أبو بكر في الناس قائلاً: "إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه- إن شاء الله-. لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم اللهُ بالبلاء. أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله، فإذا عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم
قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله"
وتدل الروايات الصحيحة على ان غضب علي بن أبي طالب لعدم استشارته في أمر الخلافة، بل تشير رواية الصحيحين على أن بيعته تأخرت ستة أشهر، وذلك لعدم استجابة الصديق لطلب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ترث "ما أفاء الله على رسوله بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر"، واحتج أبو بكر بحديث "لا نورث ما تركنا صدقة". وقد غضبت فاطمة وقاطعته حتى توفيت، فبايع علي أبا بكر بعد وفاتها في المسجد بعد صلاة الظهر فهذا أقوى ما ورد في بيعة علي لأبي بكر رضي الله عنهما، ولكن صحت روايات أخرى تفيد بأنه بايع في اليوم الذي جرت فيه البيعة العامة، وأنه وضح سبب غضبه بقوله: "ما غضبنا إلا لأنَّا أخِّرنا عن المشاورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه لصاحب الغار، وثاني اثنين، وإنا لنعلم بشرفه، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي"
وجمع ابن كثير وابن حجر بين الأحاديث الصحيحة بأن علياً بايع ابا بكر أول الأمر مع الناس ثم بايعه بعد وفاة فاطمة تأكيداً للأولى وإزالة لما حدث من جفوة بسبب الخلاف حول الميراث
والحمد لله رب العالمين
جزالك اللله خيرا
ردحذفوإياكم
حذفجزالك اللله خيرا
ردحذف