القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة أصحاب السبت الذين مسخهم الله قردة وخنازير من أروع قصص القرآن

 بسم الله الرحمن الرحيم



قال تعالى {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يوسف(111)




قصة أصحاب السبت

ذكر الله تعالى قصة أصحاب السبت في عدة مواضع من كتابة العزيز فمن هم هؤلاء القوم وماذا فعلوا ليذكروا في القرآن الكريم وما العبرة من قصتهم 


وقعت أحداث هذه القصة في قرية تسمي "أيلة" وهي تقع على شاطئ البحر الأحمر

بدأت القصة عندما أمر الله تعالى اليهود بتعظيم يوم الجمعة فاختاروا السبت مكانه متعللين بأن الله لم يخلق فيه شيئاً، لأنه بدأ الخلق يوم الأحد، وفرغ يوم الجمعة، وهذا من تنطعهم وضلالهم وتقديم آراءهم على شرع ربهم،  فألزمهم الله بما اختاروا، ووضع عليهم في ذلك الإصر والأغلال فحرم الله تعالى على اليهود العمل يوم السبت وكان أغلب عمل اهل قرية "أيلة" صيد السمك، فحدث لهم ابتلاء عظيم، فكانت الأسماك لا تأتي إلا يوم السبت، فإنها تأتي بكثرة حتى أن بالإمكان اصطيادها باليد فهذا ابتلاء من الله تعالى ليعلم من يصبر ويتوب ويستغفر ومن يطغى ويظلم ويتعدى حدود الله.

فعمد رجل من أهل القرية في يوم السبت إلى حوت فربطه بخيط وأوتد الخيط في الشاطئ وأطلق الحوت وعاد يوم الأحد فأخذ حوته وظن أنه يستطيع التحايل على شرع الله بهذه الطريقة وينجو من عقاب ربه وأعاد الكرة في السبت الذي بعده فعندما قام الرجل بشواء الحوت انتشرت رائحة السمك في سائر أنحاء القرية فتساءل الناس من أين رائحة السمك فأجاب بما فعله من تحايل على حكم الله تعالى 

قال الله تعالى {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}[الأعراف: 163].


وهنا انقسمت القرية إلى ثلاث مجموعات:

المجموعة الأولى: تابعت ما فعله بعض الناس من التحايل على شرع الله تعالى وأعجبوا بحيلتهم وطبقوها

فحفروا الحفر ووضعوا الشباك يوم الجمعة، فإذا ذهب السبت أخرجوا الحيتان

والمجموعة الثانية: كرهت هذا الفعل واعتبرته تحايلا على ما حرمّ الله ولكنهم سكتوا ولم ينهوا عن المنكر الذي فعلته المجموعة الأولى.

والمجموعة الثالثة: غضبت لهذا الفعل وأنكرته واستمرت في النصح والإرشاد.

وحدث حوار جميل بين المجموعة الثانية والثالثة ذكره الله في كتابه، قال تعالى ﴿ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 164].

فالمجموعة الثانية قالت للمجموعة الثالثة: لم تنصحون قوما لا ينتهون، اتركوهم فإن الله سيهلكهم أو يعذبهم.

والمجموعة الثالثة قالت: نحن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر لأمرين:

الأمر الأول: حتى نُعذر أمام الله، بأننا قد فعلنا ما يجب علينا فعله.

والأمر الثاني : لعل أهل السوء والضلال يرجعوا ويتوبوا إلى الله.


فلما رأت الطائفة الواعظة عدم الاستجابة من الطائفة المعتدية في السبت، رحلوا عن مكان إقامة المعصية وهذه كانت بداية النجاة لهم وبنوا سوراً بينهم وبين أهل المعصية كما ذكر ذلك ابن عباس رضي الله عنهما.

فلما غادر المصلحون والصالحون مسخ الله تعالى أهل المعصية والتحايل على شرعه الذين قدموا عقولهم على حكم الله تعالى وظنو أنهم ينجون بفعلهم مسخهم الله إلى قردة وقيل إلى قردة بعقول بشر وقيل مسخ شبابهم قردة وشيوخهم خنازير وذلك أن الله ذكر مسخ الخنازير أيضاً والخنزير أقبح، قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيل ﴾ [المائدة: 60].


قال الإمام القرطبي: فجعل القرد يأتي قريبه، فيشم ثيابه ويبكي، فيقال له: ألم أنهاك، فيقول: برأسه بلي، معنى هذا أنهم كانوا في أجساد القرود وبعقول البشر، وفي هذا حقًا عذاب شديد، 

ثم مكثوا ثلاثة أيام على حالتهم لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناسلون، ثم أماتهم الله تعالي وأبادهم.

قال تعالى:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (الأعراف 165-166)


قال الله تعالى في سورة البقرة ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾[البقرة: 65، 66].


وقال تعالى {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يوسف(111)


فما العبر و المواعظ من هذه القصة

أولا: في هذه القصة موعظة من الله تعالى للمتحايلين على شرعه والمضللين للناس الدعاة على أبواب جهنم الذين الذين يحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله فقد نشطوا في زماننا فمنهم من يستحل الربا بحجج واهية ويستحل الميتة والمنخنقة والخنزير والنظر إلى ما حرم الله وفعل المنكرات وترك السنة والأحكام فضلالاتهم أكثر وأكبر من أن تحصى هنا وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء أيما تحذير فقد رَوى البخاري في "صحيحه" بسنده إلى حُذَيفَة بن اليمان رضِي الله عنه؛ أنَّه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر مخافة أن يُدرِكني، فقلتُ: يا رسول الله، إنَّا كنَّا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير مِن شر؟ قال: (نعم)، قلتُ: وهل بعد ذلك الشر مِن خير؟ قال: (نعم، وفيه دَخَنٌ)، قلتُ: وما دَخَنُه؟ قال: (قومٌ يَهْدُون بغير هَدْيِي، تَعْرِف منهم وتُنْكِر)، قلتُ: فهل بعد ذلك الخير مِن شر؟ قال: (نعم؛ دُعَاة على أبواب جهنَّم، مَن أجابَهُم إليها قذَفُوه فيها)، قلتُ: يا رسول الله، صِفْهُم لنا؟ قال: (هُمْ مِن جِلدَتِنا، ويتكلَّمون بألسِنتِنا)، قلتُ: فما تأمرني إنْ أدركني ذلك؟ قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامَهم)، قلتُ: فإن لم يكُن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتَزِل تلك الفِرَق كلها، ولو أن تَعَضَّ بأصْل شجرة حتى يُدرِكَك الموت، وأنتَ على ذلك).


ثانيا: أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسنختم بهذا الحديث الذي يتبين لنا منه أن النجاة في التمسك بهذا الواجب العظيم ألا وهو: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر روى البخاري في صحيحه بسنده عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا) والحديث رواه أحمد والترمذي وغيرهما.


والحمد لله رب العالمين

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات