بسم الله الرحمن الرحيم
1.استحباب اللقبِ الذي يُحبُّه صاحبُه
فمن ذلك أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه، اسمه عبد اللّه بن عثمان، لقبه عتيق، هذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء من المحدِّثين وأهل السِيَر والتواريخ وغيرهم. وقيل اسمه عتيق، حكاه الحافظ أبو القاسم بن عساكر في كتابه الأطراف، والصواب الأول، واتفق العلماء على أنه لقبُ خير. واختلفوا في سبب تسميته عتيقاً، فروينا عن عائشة رضي اللّه عنها من أوجه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "أبُو بَكْرٍ عَتِيقُ اللَّهِ منَ النَّارِ"أخرجه الطبري في ((تاريخه)) (2/350)، وأبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (60)وهو حديث ضعيف قال: فمن يومئذ سُمِّيَ عتيقاً.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت (اسمُ أبي بكرٍ الَّذي سمَّاه به أهلُه عبدُ اللهِ بنُ عثمانَ بنِ عامرِ بنِ عمرٍو ولكن غلب عليه اسمُ عتيقٍ)أخرجه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (3361)، وأبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (59)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (6/30) واللفظ له.
وقال مصعب بن الزبير وغيره من أهل النسب: سُمِّي عتيقاً لأنه لم يكن في نسبه شيء يُعاب به، وقيل غير ذلك، واللّه أعلم.
ومن ذلك أبو تراب لقبٌ لعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، وكُنيته أبو الحسن، ثبت في الصحيح،
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وجده نائماً في المسجد وعليه التراب، فقال: "قُمْ أبا تُرَابٍ! قُمْ أَبَا تُرابٍ!" فلزمه هذا اللقب الحسن الجميل. صحيح البخاري
وروينا هذا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سهل بن سعد، قال سهل: وكانت أحبّ أسماء عليّ إليه، وإن كان ليفرح أن يُدعى بها. هذا لفظ رواية البخاري.
ومن ذلك ذو اليدين واسمه الخِرْباق ـ بكسر الخاء المعجمة وبالباء الموحدة وآخره قاف ـ كان في يديه طول، ثبت في الصحيح؛
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يدعوه "ذا اليدين" واسمه الخِرْباق، رواه البخاري بهذا اللفظ في أوائل كتاب البرّ والصلة. البخاري
2. استحباب الكِنى واستحباب مخاطبةِ أَهْلِ الفَضْل بها
هذا الباب أشهر من أن نذكر فيه شيئاً منقولاً، فإن دلائله يشترك فيها الخواصّ والعوامّ، والأدب أن يُخاطب أهل الفضل ومن قاربهم بالكنية، وكذلك إنْ كتبَ إليه رسالة، وكذا إن رَوى عنه روايةً، فيُقال: حدّثنا الشيخ أو الإِمام أبو فلان، فلان بن فلان وما أشبهه؛ والأدبُ أن لا يذكرَ الرجلُ كنيتَه في كتابه ولا في غيره، إلا أن لا يُعرف إلا بكنيته، أو كانت الكنية أشهرَ من اسمه. قال النحاس: إذا كانت الكنية أشهر، يُكنى على نظيره ويُسمَّى لمن فوقه، ثم يلحق بـ: المعروف أبا فلان أو بأبي فلان.
3. نهي الولد والمتعلم والتلميذ أن يُنادي أباه ومعلّمه وشيخه باسمه
روينا في كتاب ابن السني، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه: "أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم رأى رجلاً معه غلام، فقال للغلام: مَنْ هَذَا؟ قال: أبي، قال: فَلا تَمْشِ أمامَهُ، ولا تَسْتَسِبَّ لَهُ، وَلا تَجْلِسْ قَبْلَهُ، وَلا تَدْعُهُ باسْمِهِ".
مجمع الزوائد للهيثمي والمعجم الأوسط للطبراني
قلت: معنى لا تَسْتَسِبَّ له: أي لا تفعل فعلاً يتعرّض فيه لأن يسبّك أبوك زجراً لك وتأديباً على فعلك القبيح.
وروينا فيه، عن السيد الجليل العبد الصالح المتفق على صلاحه عبيد اللّه بن زَحْر، بفتح الزاي وإسكان الحاء المهملة رضي اللّه عنه قال: يُقال من العقوق أن تُسَمِّي أباك باسمه، وأن تمشيَ أمامَه في طريق
4. كُنيةِ الرجل بِأَكبرِ أولادِه
كُنِّي نبيّنا محمّدٌ صلى اللّه عليه وسلم أبا القاسم بابنه القاسم، وكان أكبرَ بنيه.
وروينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما، عن أبي شُرَيْح هانىء الحارثي الصحابي رضي اللّه عنه؛ أنه لما وَفَدَ إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مع قومه سمعهم يُكنّونه بأبي الحكم، فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: "إنَّ اللَّهَ هُوَ الحَكَمُ وَإِلَيْهِ الحُكْمُ فَلِمَ تُكَنَّى أبا الحَكَمِ؟" فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمتُ بينَهم، فرضي كِلا الفريقين، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:" مَا أحْسَنَ هَذَا، فَمَا لَكَ منَ الوَلَدِ؟" قال: لي شُريح، ومُسلم، وعبدُ اللّه، قال: "فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ؟" قلت: شريحُ، قال: "فأنْتَ أبُو شُرَيْحٍ".
5. كُنية الرجلِ الذي له أولادٌ بغيرِ أولادِه
هذا الباب واسعٌ لايُحصى مَن يتّصفُ به، ولا بأس بذلك بابُ كُنيةِ مَنْ لم يُولَد له، وكُنية الصغيرِ
روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي اللّه عنه قال: كان النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم أحسنَ الناس خلقاً، وكان لي أخ يُقال له أبو عمير ـ قال الراوي: أحسبه قال فَطِيمٌ ـ وكان النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم إذا جاءَه يقول: "يا أبا عُمَيْرٍ! ما فَعَلَ النُغَيْرُ" نُغَرٌ كانَ يلعبُ به. البخاري
وروينا بالأسانيد الصحيحية في سنن أبي داود وغيره، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: يا رسول اللّه! كلُّ صواحبي لهنّ كُنى، قال: "فاكْتَنِي بابْنِكَ عَبْدِ اللّه" قال الراوي: يعني عبد اللّه بن الزبير، وهو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر، وكانت عائشةُ تُكَنَّى أُمّ عبد اللّه. قلت: فهذا هو الصحيح المعروف.
وأما ما رويناه في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: أسقطتُ من النبيّ صلى اللّه عليه وسلم سَقْطاً فسمّاه عبد اللّه، وكنّاني بأُمّ عبد اللّه. فهو حديث ضعيف.
وقد كان من الصحابة جماعات لهم كنى قبل أن يُولد لهم، كأبي هريرة، وأنس، وأبي حمزة، وخلائق لا يُحصون من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، ولا كراهةَ في ذلك بل هو محبوبٌ على الا يخالف الشرع.
والحمد لله رب العالمين
تعليقات
إرسال تعليق